الباحث الإيراني ناصر بوربيرار يقلب التاريخ الإيراني رأساً علي عقب!                                      







يعتبر المفكر والباحث الفارسي الايراني ناصر بوربيرار استثناءا في قاعدة المفكرين والباحثين الايرانيين حيث شذ عن الخطاب الفارسي المهيمن لمدة اكثر من قرن علي الساحة الفكرية والثقافية المعاصرة في ايران باطروحاته ونظرياته الجديدة حول تاريخ ايران. وقد عنون كتابه الاول بـ 12 قرنا من السكوت وهو يعني حكم الاخمينيين والاشكانيين والساسانيين الذي استمر 12 قرنا قبل الاسلام، حيث يصف هذه السلالات الثلاث بالغريبة عن محيطها الجغرافي وعن السكان الاصليين في نجد ايران حيث كانوا 15 شعبا ــ منهم العرب والعيلاميون- يعيشون حياة مسالمة وهم ذات حضارة عريقة حتى ان جاء اليهود، وفقا للتورات، بقورش الاخمني (القرن 7 ق. م) ونصبوه علي هذه الشعوب عنوة حيث دمر حضارتهم واستعبدهم وازالهم عن الوجود عن بكرة ابيهم. وهذا ما يستنتجه بوربيرار من لوحات ونقوش برسبوليس الصخرية.

ويقول ناصر: لم يبق من هذه السلالات الثلاث التي حكمت بالقوة والسيف والاستبداد علي الشعوب القاطنة في نجد ايران، لم يبق منها اي اثر حضاري هام يذكر قياسا باليونانيين والرومان وحتي العرب الجاهليين. ما عدا انها كانت تتقن استخدام الرمح الفارسي لمحو الشعوب التي سبقتها في نجد ايران وفتح اراضي الغير واغراق الشعوب الاخري ومنهم اليونانيون والمصريون والهنود ببحور من الدم. وينتقد بوربيرار المؤرخين القوميين الفرس ــ التابعين للمؤرخين وعلماء الاثار الغربيين ومعظمهم من اليهود ــ بانهم يبدأون التاريخ الايراني بالسلالة الاخمينية فيما يقول ان هذه السلالة ومؤسسها قورش (سيروس) وداريوس هم من عملاء اليهود وفقا لما جاء في التورات وانهم جاءوا متأخرين قياسا لشعوب عاشت قبلهم بالاف السنين. وقد قام علماء الاثار والمستشرقون اليهود بتهويل منزلتهم وسمعتهم خلافا لحقيقتهم في التاريخ.

ويشيد ناصر بوربيرار بحضارة بين النهرين ويعتبرها ام الحضارات في العالم ويتهم قورش الاخميني بتدمير هذه الحضارة وخاصة البابلية منها اثر تحريك اليهود.

وقد واجه هذا الباحث والمفكر الفارسي الايراني وعلي الرغم من اقبال الناس علي كتابيه ــ 12 قرنا من الصمت و جسر علي الماضي ــ حيث تم طبعهما عدة مرات خلال بضعة أشهر، واجه مؤامرة صمت من قبل المفكرين القوميين الفرس في ايران. بل تلقي تهديدات مختلفة من القوميين الذين لا يستطيعون الرد عليه بالفكر والمنطق بل بالقوة والترهيب. وللتعرف علي ارائه وافكاره الجريئة اجرت (الزمان) الحوار التالي معه:

نبذة عن حياتك؟

ــ مواليد عام 1940، درست الابتدائية في مدرسة اسلامية اسمها مدرسة الجعفرية بطهران حيث تعلمت الكثير من اصول اللغتين العربية والفارسية في هذه المدرسة. وقد تزامنت دراستي في الثانوية بانقلاب الشاه علي الزعيم الوطني محمد مصدق عام 1953، ولاسباب سياسية وعائلية لم اتمكن من دخول الجامعة حيث اعتبر نفسي صاحب حظ لعدم دخولي الجامعة في ايران بسبب المستوي المتواضع للثقافة والدراسة انذاك وحاليا، كما ان الدخول للجامعة وعدم دخولها لم يغير شيئا من نظرة الانسان بصورة عامة.

يبدو انك قبل الثورة كنت عضوا في حزب تودة الشيوعي؟

ــ بدأت نشاطي السياسي منذ عام 1961 باشكال مختلفة اهمها تعاوني مع هوشنج تيزابي (احد زعماء حزب تودة والذي اعدمه الشاه) الذي تعرفت عليه والحزب عام 1973. فقد كنا نصدر انذاك صحيفة الي الحزب بصورة سرية. وحزب تودة هو الوحيد الذي كان يمثل الفكر اليساري في ايران في تلك الفترة. لكن عقب قيام الثورة في عام 1979 وبعد احتكاكي مع كوادر وزعماء حزب تودة اتضح لي انهم مجموعة غير وطنية تحاول تطبيق واجبات دولية، فبناء عليه تركت الحزب عام 1980 وبدأت أنقدهم كما تعلم.

لماذا اعتقلت بعد الثورة؟

ــ للموضوع تفاصيل لكنني الخص واقول ان اعتقالي قد تم بفعل مؤامرة جماعة حزب تودة حيث كانوا يتصورون ان أمري سينتهي في السجن في الايام الاولي للاعتقال لكنني احبطت مخططاتهم بذكائي وتكتيكاتي الخاصة. وقد عانيت خلال فترة اعتقالي في السجن التي استمرت لأكثر من 5 سنوات (1982 ــ 1987) من هؤلاء ما عانيت ومنها محاولة طبيب القاووش واسمه فريبرز بقائي، اذ حاول القضاء علي حياتي بتزريق ابرة قاتلة، وللموضوع ملف موجود في سجن ايفين بطهران.

فقد تحدثت في كتابيك الاخيرين عن حضارة عظيمة في ايران وبين النهرين قبل سلالة الاخمينيين وتعتبر هؤلاء ــ أي الاخمينيين ــ قوما مهاجرين جاءوا من اسيا الوسطي والقوقاز الي نجد ايران حيث اصبح زعيمهم قورش قائدا للفرس بفعل الدعم اليهودي له، بل الاكثر من ذلك تقول ان السلالات الاخمينية والاشكانية والساسانية هم غرباء علي الايرانيين وتؤكد انهم لم يتمتعوا لا بثقافة ولا بفن ولا باقتصاد ولا بسياسة. كما تحدثت عن طبيعتهم العسكرية المحضة واستخدامهم لـ الرمح الفارسي للقضاء علي السكان الاصليين في نجد ايران والفتوحات الدموية في اراضي الغير. ما هي الادلة العلمية والتاريخية التي تقدمها لهذا الامر؟

ــ فأي ادلة وادوات او ما يصفونه باليقينيات التي يستخدمها المدعون بان قورش هو مؤسس حقوق الانسان في العالم لم استخدمها انا في مشروعي الجديد بالنسبة للتاريخ الايراني؟ فهذه كلها نظريات تطرح علي اساس الخلفيات الممكنة. وقد شرحت في الكتاب انه لا يوجد ــ لا من المنظور الجغرافي ولا التاريخي ــ قوم عرفوا في ما بعد بالاخمينيين حيث لا نجد منهم أي سابقة تاريخية لا في ايران ولا في بين النهرين، وهذه الحيرة تنتاب كافة المؤرخين ان نشوء قورش (كوروش بالفارسية) كان نشوءا مفاجئا وقد تم بين ليلة وضحاها. فالمصدر القديم الوحيد حول قورش الذي يذكر اسمه بصراحة هو التورات حيث نري في هذا الكتاب اولي سمات ظهور قورش وفي ما عدي ذلك لا توجد اية وثيقة حول هذا الشخص. كما لا توجد لدي الذين يدافعون عن اطروحة قورش المدافع عن حقوق الانسان أي وثيقة لكنهم يستندون الي التورات فقط.

في الواقع هناك قراءتان للتورات في هذا المجال. فالتورات يعتبر قورش نبيا ويقول انه وقومه كانوا يقطنون الشمال (للبحر الاسود). فانا علي هذا الاساس توصلت الي نظرية تقول ان ظروف اليهود الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عند ظهور قورش كانت بصورة يحتاج من خلالها اليهود الي منقذ في بين النهرين حيث قد دمر بخت النصر الحضارة اليهودية 20 عاما قبل ظهور قورش وقام بتهجيرهم الي ايران وافغانستان والصين وسبي معظمهم وساقهم مع ثرواتهم الي بابل. فاليهود كانوا يبحثون عن منقذ لهم ليدمر بلاد بابل وليحرر اسراهم وليدمر حضارة بين النهرين التي كانت دائما عامل ازعاج لليهود وليعيد الحياة لليهود في اورشليم. وهذا كله مذكور في التورات حيث يؤكد في الكتاب وبصراحة بانني انتقيت قورش من اجل اهدافنا ليدمر بابل، ويقول اننا جلبنا قورش من شمال البحر الاسود من منطقة اشكناز حيث كان له جيران هناك هم المنديون و الغوتيون . فالغوت هم اجداد الالمان والمنديون هم قوم يقطنون ما وراء جبال القوقاز حيث وثائقهم مطبوعة في كتبي. فنحن لا نري لا من قورش ولا من قبيلته الاخمينية قبل ان يصبح امبراطورا لم نر لهم حتي حدوة فرس في ايران حيث انني ادحض ما يقال عن احتلاله لمناطق الميديين والشوش وعيلام قبل ظهوره في بين النهرين. فلا يمكن لامبراطور مثل قورش ان يغزو بلاد الاسور وبابل دون اي سجل مادي او ذهني او عقلي في نجد ايران حيث لا نري لهؤلاء الاخمينيون قبل ان يصبح قورش ملكا، لا نري لهم لا آنية ولا قبر ولا شربة ولا مهد

في ايران. فتحليلنا هذا لا يتطابق مع الخطاب الرسمي السائد، فعلينا ان نعرف من هم الاخمينيون؟ ومن اين جاءوا ومن هم الذين ساندوهم ليصبحوا أصحاب قوة يتمكنون من خلالها تدمير بابل؟ ويقول التورات بشكل جلي: انني أخطط لك يا بابل حيث تفاوضت مع ناس وعبئتهم وهم اناس برابرة جدا وسفاحون لايرحمون احدا ولا تخطئ سيوفهم ورماحهم، فينغصون عليك عاجلا وسيدمرون اسوارك ومزارعك ويقتلون شبابك حيث تنتهي بابل كبلاد عامرة والي الأبد.

فهذه هي السمات الصحيحة لمتابعة امر قورش والاخمينيين في بين النهرين.

ولاثبات غياب الحضارة في عهود الاخمينيين والاشكانيين والساسانيين (12 قرنا قبل الاسلام) فهل قارنتهم بالحضارات الاخري كاليونانية واليمنية والهندية؟

ــ فقد قمت بمقارنة الحضارة السائدة في بين النهرين وايران قبل قورش حيث كانتا مركزين معروفين للفكر والفن في العالم. فاي شيء يعرفه البشر حاليا توجد اسسه في بين النهرين وايران القديمة، فالسومريون والاسوريون والعيلاميون والماديون والشعوب التي كانت تقطن جنوب بحر قزوين، كل هؤلاء ارسوا اسس الحضارة الانسانية. وفي بين النهرين تم اختراع اولي انظمة الري واولي الابجديات. كما صنع الناس في بين النهرين اولي المراكب البحرية واولي العربات وصاغوا اولي القوانين حيث نجد كتاب القانون منذ 5200 عام. فقد كانت هذه البلاد مقتدرة تعلمت منها الحضارة العالمية الكثير.

فقد كان الوضع هكذا حتي ان نشأ قورش حيث نري عقب ذلك صمتا يسود بين النهرين وايران، اذ لا نري في هذه الفترة (تمتد لـ12 قرنا) وحتي نشوء الاسلام لا كتابا ولا انسانا حكيما علي مستوي عالمي. اي ان قورش يدمر الانجازات التي انجزها البشر خلال الوف السنين في بين النهرين وايران، ويغرس مكانها الرماح والسيوف، فقد يستولي الظلام بمجيء قورش علي ايران وبين النهرين.

وماذا تقول عن حكم بزرجمهر الحكيم وموسيقي باربد و نكيسا في عهد ملوك الساسانيين؟

ــ هذه كلها اساطير شاهنامة الفردوسي. فعندما نتحدث عن القضايا التاريخية عليك ان تقدم وثائق تاريخية بشأنها. فيوجد لدينا نحن في ايران عدد من النقوش علي الصخور من عهد الاخمينيين والساسانيين، فلا تتحدث هذه النقوش عن اية ثقافة او حضارة او فكر وحتي عن دين. لا يوجد في هذه النقوش اي كلام عن زرادشت وكتابه افيستا . فلم تتحدث هذه النقوش عن الشؤون الثقافية حيث كلها ومن دون استثناء اما تتحدث عن قضايا شخصية واما قضايا عسكرية. فاهم هذه النقوش الصخرية هي بيستون في مدينة كرمنشاه (غرب) وهي تشبه بيان عسكري صادر عن شخص انقلابي اسمه داريوس حيث يتحدث عن اعماله هنا وهناك. لهذا علي الذين يدعون بوجود زرادشت وكتابي افيستا و زند عليهم ان يقدموا وثائق تاريخية تثبت هذا الامر. فهؤلاء الذين يدعون بوجود اديان او حكمة في ايران القديمة أو أي شيء ثقافي او حضاري قبل نشوء الاسلام لم يقدموا اية وثيقة ولا اية نقوش صخرية ولا حتي مسكوكة نقدية حيث من دون هذه الوثائق يتحول الكلام في هذا المجال الي أساطير، اذ يمكن لنا ان نتقبلها كاساطير ليس الا.

فعليه انت تقول ان شخصية زرادشت وكتبه افيستا و غاتها هي مخلوقة اذهان الفرس بعد الاسلام؟

ــ نعم كل هذه الامور خلقت بعد الاسلام ومن اجل مواجهة العرب والاسلام، وقد اسهبت في كتابي الثالث في هذا المضمار(الكتاب قيد الطبع).

وماذا تقول عن الـ كاست cast أي الفئة الحاكمة ابان حكم الساسانيين وخاصة في اواخره حيث يقع رجال الدين الزرادشت اي الموغ ضمن هذه الفئة، اذ كان يشكل هؤلاء والاكاسرة فئة حاكمة ممتازة كما يذكر لنا المؤرخون الرسميون؟

ــ فالمصدر الوحيد لهذا الكلام هو الشاهنامة التي تم انشادها في القرن الرابع الهجري. عليك ان تقدم وثائق تاريخية في هذا المجال. في الحقيقة ان المصدر الوحيد الذي يتحدث عن الدين في عهد الساسانيين هو نقوش صخرة كتير في كعبة زرادشت في محافظة فارس (جنوب).

ويتكلم شخص في هذه النقوش بصراحة ويقدم نفسه بعنوان مؤبد المؤبدين أي كبير رجال الدين في المنطقة. فلا أنا ولا غيري كتبنا ذلك الكلام. يتحدث كبير رجال الدين الذي عاش نحو 200 وثمة عام قبل نشوء الاسلام، يتحدث عن دين مؤسس علي عبادة الماشية ويصفه بدين بهرام ولا يذكر دينا باسم دين زرادشت ولا كتابا باسم افيستا. فاذا كان في الحقيقة دين باسم دين الزرادشتية ونبي باسم زرادشت وكتاب باسم افيستا فأي مكان أهم من نقوش صخرة كتير التي كتبت من قبل اكبر رجال الدين انئذ.

فماذا كان دين الساسانيين؟ وانا لم اعود الي الوراء في التاريخ اكثر من عهدهم.

ــ فقد كان الدين في ايران متعدد الالهات وارباب الانواع، اي انه دين بدوي (primitive)، فهو دين اقليمي وتقليدي وخاص للسكان المحليين.

وقد كانت ثمة عبادات واديان سائدة انذاك لكن لم يكن أي منها عاما في كل البلاد أبدا. حتي اننا لم نر اثرا من دين واحد في بلاط الاكاسرة في ايران، فهناك نوع من الاشادة والمدح وليس العبادة، الاشادة بالماء والنار والماشية، فهذا هو الشيء الذي يشير اليه كتير .

ويقدس الزرادشتيون النار حتي يومنا هذا!

ــ لا بأس ان يقوم الزرادشتيون بكتابة شيء عن تاريخ دينهم حيث لم يفعلوا مثل هذا الشيء حتي الان. ولايجب ان يستند هذا التاريخ الي الاساطير والتخييل بل ينبغي ان يستند الي الامارات المادية والموضوعية والتاريخية التي يمكن الرجوع اليها. عندما لا تجد (قبل الاسلام) لا في بين النهرين ولا ايران ولا الشرق الاوسط ولا اي مكان اسما من الزرادشت فاين هذا الدين واين امتداداته؟ فلو كان هذا الدين سائدا قبل الاسلام كان ينبغي ان يذكر في مكان ما.

السيد ناصر قلت في كتابك 12 قرنا من السكوت ان العرق الآري هو عرق ملفق، كما ابديت الريبة ازاء صحة وجود قوم اسمه بارس أي الفرس حيث قلت ان معناه هو السائب والغازي. فما تقول لنا في هذا المجال؟

ــ فقد كانت ايران وقبل نشوء قورش مقسمة بين شعوب وأقوام نعرف اسماءها وحدود سكناها. وكما ذكرت في كتابي لاتوجد بقعة جغرافية اسمها بارس أي فارس في نجد ايران انذاك.

فالتاريخ الايراني يستند في كتابته الي بحوث قام بها اليهود وانهم بذلوا جهدا لاعلاء شأن الاخمينيين كمحررين لهم وكمدمرين لحضارة بين النهرين. فاليهود يسعون ان يقدموا الاخمينيين كمبدعين للثقافة والحضارة او اي شيء يرغبونه وذلك بسبب الخدمة التي قدمها لهم الاخمينيون. فخذ علي سبيل المثال علماء الاثار والمؤرخون اليهود كـ غيريشمن و داريشتيد و اشكولر ، كما ان 90 في المائة من مؤرخي التاريخ الايراني هم من اليهود، اي ان اليهود قاموا بتهويل تاريخ الاخمينيين، فهؤلاء حاولوا خلال المائة سنة الماضية ان يصوروا قورش في التاريخ الايراني بشكل يتطابق وصورته في التورات حيث تقدمه كصورة نبي، وقد نجحوا في ذلك.

وقد ذكرت في الجزء الثاني من كتابي ــ فجر الاسلام ــ ان احدا في ايران حتي قبل 100 عام لم يعرف قورش اي ان ابرز المثقفين في هذه البلاد لم يعرفوه قبل هذه الفترة.

يبدو ان بعض الكشفيات الاثرية تمت في وقت متأخر؟

ــ هذا صحيح. فبعد قراءة نقوش ولوحات مدينة الشوش (جنوب) وبرسبوليس (جنوب) وبيستون (غرب) والعثور علي لوحة قورش الطينية ادرك العالم ان سلالة مقتدرة كانت تحكم هنا في ايران. فقد تمت هذه الامور قبل قرن ونصف القرن، لكن كان ينبغي ان يمر نصف قرن حتي تتم صياغة النظام وعلاقاته حيث منذ 100 عام اخذت تطرح وبصورة جدية قضية سلالة الاخمينيين. ومن ثم كشف اليهود قورش وداريوس واحشورش المذكورين في التورات حيث كانوا يعرفون منهم هؤلاء واين كانوا يسكنون.

ومن الطبيعي ان يصوروا قورش وداريوس واحشورش في التاريخ بشكل يتطابق مع صورتهم التوراتية لان المؤرخين هم من اليهود اذ كان يهمهم ان تؤيد نصوص التورات، التاريخ وليس العكس.

فقد تحدثت في كتبك عن دور اسرائيل في اعلاء الحضارة الايرانية الساطعة قبل الاسلام لتعميق الهوة بين الايرانيين والعرب، كما تحدثت عن غرور خفي لبين النهرين غزا العالم في فترة زمنية قصيرة وليس الحفاة العرب غير المدربين ابان نشوء الاسلام. وقد كتبت ان الكراهية والعنف الذي يبديه ابناء بين النهرين ــ وبصورة لا واعية ــ ازاء الايرانيين هو رد فعل لتدمير الاخمينيين لحضارة بين النهرين، وان احراق برسبوليس من قبل اسكندر المقدوني هو رد علي احراق اثينا من قبل الاخمينيين وهزيمة (الايرانيين في) القادسية هي رد علي هزيمة بابل ، فأنا لأول مرة اسمع مثل هذا التحليل التاريخي.

ــ نعم انا قلت هذه الامور وادافع عنها ولدي وثائق كافية لاثباتها. في الحقيقة ان اليهود يقومون بحركتين تاريخيتين أصبحت في ما بعد أساسا للفرقة والهوة بين شعوب منطقة بين النهرين والعالم الاسلامي وخاصة بين شرق العالم الاسلامي وغربه أي بين العرب والعجم. اليهود يقومون بمؤامرتين تاريخيتين في المنطقة: اولاهما انهم يحاولون ان يؤكدوا للعالم وللثقافة والتاريخ ان نشوء قورش الاخميني في منطقة بين النهرين كانت سببا لنشوء اول امبراطورية في العالم حيث كان لها سمات مقدسة للغاية في المجالات الثقافية والفنية والسياسية..الخ. والثانية يقدمون قورش كمؤسس لحقوق الانسان في العالم، فهم يسعون لاخفاء الحضارة التي سبقت قورش في بين النهرين ولتلقين الايرانيين بانهم مدينون لنشوء قورش (قبل 25 قرنا) وهذا الامر متواصل ليومنا هذا، فيما نحن الايرانيون نعلم بان لنا تاريخا ساطع عمره 70 قرنا، حيث تشاركنا بلاد بين النهرين في هذه الحضارة.

يبدو ان علماء الاثار وفقا لخطابهم القومي المتعصب لا يهتموا بحضارة العيلاميين الا القليل. حيث زرت انا غرب مدينة الشوش ونهر الكرخة حتي الحدود العراقية في العمارة ورأيت التلال العديدة الممتلئة بالكنوز الاثرية وكأنها تصرخ تعالوا واحفروني ولا ناصر ولا معين!

ــ لا يقتربوا هذه التلال، لأنهم منهمكون فقط في اثار الشوش وبرسبوليس وباسارغاد وهمدان وهي تؤكد ما ذكرته سابقا.

لم تكن اية من السلالات الثلاث التي حكمت ايران لمدة 12 قرنا اي الاخمينيين والاشكانيين والساسانيين لم تكن من السكان الاصليين للمنطقة (نجد ايران وبين النهرين) حيث لم نستطع ان نجد بقعة جغرافية في هذه المنطقة تنتمي اليها هذه السلالات، حيث علينا ان نشرع ببحوث واسعة عن منشأ هذه السلالات ومسقط رأسها.

فأحد الأدلة القوية التي تثبت انهم لم ينتموا الي هذه المنطقة وسكانها الاصليين انه لم يبق لهم اثر في هذه الارض بعد هزائمهم النهائية. فلم تر اثرا للاخمينيين عقب هزيمتهم من الاسكندر المقدوني، والشيء نفسه يصدق علي الاشكانيين والساسانيين. فاذا كانت هذه السلالات اصيلة في هذه الارض لعادت الي مسقط رأسها. فخذ مثالا ان الكرمانيين والماديين والعيلاميين والخوزيين وبعد كل الهجمات والهزائم النكراء لا يزال يقطنون اراضيهم الاصلية واسماؤهم نفس الاسماء القديمة السائدة منذ الوف السنين.

انك تنقد بصراحة الخطاب القومي الفارسي المعادي للعرب في الادب والتاريخ الايراني المعاصر، فبرأيك الي أي حد اثر مفكرون قوميون فرس كـ زرين كوب و برويز ناتل خانلري و مجتبي مينوي وامثالهم في تعميق الهوة والعداء بين الشعبين الجارين الايرانيين والعرب وقمع العرب في داخل ايران؟

ــ يعود منشأ هؤلاء المثقفين الي عهد الشاه رضا البهلوي حيث كان يوظفهم من اجل نزعاته القومية، فهم لم يعملوا وفقا لنظام فكري بل حسب برنامج محدد هدفه السياسي اثارة الخلافات والعداء بين المسلمين وبين شرق العالم الاسلامي وغربه، اذ يقوم خطابهم حول الاعتداء العربي علي اللغة والثقافة والارض الايرانية علي الاساطير، ومن المؤكد انه لا توجد اي وثائق تاريخية لهذا الخطاب، فعليه لا يستند هذا الخطاب الي اسس ثقافية بحثية تستهدف اغناء معلوماتنا الوطنية. فالدعاية هذه تبدأ منذ عهد محدد ـ عهد الشاه رضا البهلوي ــ (1925 = 1941) تستهدف ايجاد الهوة بين العرب والعجم واحياء الوثائق اليهودية المتعلقة بالقرون الأولية للاسلام والتي لفقها اليهود في ايران انذاك لتقسيم العالم الاسلامي.

فقد شرحت في كتابي الثالث (قيد الطبع) وبشكل كامل مدي تزوير هذه الوثائق التي تدعي بان العرب اهملوا ثقافتنا وقوميتنا وعلمنا وحقوقنا الوطنية وان الاسلام صار سببا لتأخرنا او قام المسلمون الفاتحون بالاعتداء واراقة الدماء.

اقول مزورة لانك لاتستطيع ان تثبت صفحة واحدة منها تاريخيا حيث قام اليهود بصياغتها من دون استثناء.

هل تعتقد ان الحركة الشعوبية في ايران ايضا صنيعة اليهود؟

ــ كل الحركة الشعوبية هي من صنع اليهود وقد صنعتها بقايا الساسانيين الذين هربوا الي خراسان بعد هزيمتهم امام جيوش المسلمين. فالشعوبية لم تظهر من كل انحاء ايران بل من منطقة واحدة هي خراسان، وهو المكان الذي يظهر فيه بني العباس لمحاربة بني امية. وانا اتساءل ماذا كانت تعمل جيوش العباسيين في خراسان؟ فلماذا تحتشد كل هذه الجنود الذين كان من المفروض ان يقضوا علي الامويين في خراسان؟ ونحن نعرف ان هناك مسافة اكثر من الفين كيلومتر تفصل خراسان من الشام؟!

هل كان اليهود يقطنون خراسان انذاك؟

ــ أجل، نحن نقتني وثائق تفيد بان المنطقة التي تعرف حاليا باسم افغانستان ومنطقة خراسان الكبري كانت تتأثر من النفوذ اليهودي المتمركز في الكولونيات اليهودية هناك. كما انني قدمت وثائق جديدة في كتابي الثالث (قيد الطبع) لم يقدمها أي باحث في تاريخ الاسلام، وقد كشفت فيها عن المؤامرات التي حاكها اليهود لتقسيم العالم الاسلامي، فهي وثائق تطرح لاول مرة وسوف تثير دهشة العالم الاسلامي حين يري اي قوة قامت ضد بني امية لتحل مكانها بني العباس.

البعض يعتقد هنا ان الحركة الشعوبية كانت تناضل ضد الحكام الامويين والعباسيين، ما هو مدي صحة هذا الموضوع؟

ــ فهل يستطيع هؤلاء ان يقدموا اسما معروفا من الحركة الشعوبية أعني ان يقدموا للتاريخ مركزية هذه الحركة؟!

هم يستندون الي الكتب في تلك الفترة التاريخية.

ــ كل هذه الكتب ملفقة اي ان كلها بدون استثناء مزورة. فانا بحثت في كتابي الثالث هذه الأمور حيث اؤكد انه لايوجد شخص اسمه ابومخنث ولا البلاذري ولا الواقدي، فهؤلاء جميعا شخصيات مصطنعة تاريخيا صنعها اليهود.

فقد اثبت من خلال قراءتي لقضايا اللغة العربية انه حتي نهاية القرن الثالث الهجري لا توجد كتب ليطبع منها مثلا المدايني 240 كتابا وفقا لترهات ابن النديم في الفهرست.

فقد تكلمت عن ابن النديم، فهل تشكك في شخصيته وشخصية ابن المقفع ايضا؟

ــ انا لا أشك بل ايقن بانها ملفقة لانه لم يكن في عهد ابن مقفع اي في الحقب الاولي للقرن الثاني الهجري اي شيء مكتوب باللغة الفارسية بل حتي في العربية.

فقد تمركز الجهد في العالم الاسلامي ــ الذي لم يكن عربيا قبل الفتح ــ علي كتابة القرآن. أي ان الكتابة العربية تبدأ بكتابة القرآن وليس كتابة التاريخ، فلا يمكن قراءة القرآن المكتوب في عهد ابن المقفع لانه غير قابل للقراءة حيث لم يكن له الاعراب ولم ينضج الصرف والنحو الي حد يمكن تحديد القران في تلك الفترة. فلم يصل لدينا الا عدد قليل من نسخ القرآن من القرن الثاني الهجري، أي انه لا توجد كتابة للقرآن في القرن الثاني او انها كانت بدائية جدا حيث اذا تحصل انت الان علي نسخة من هذا القرآن لا تستطيع ان تقرأ حتي آية واحدة منه. فالسؤال هو كيف كتب ابن المقفع هذه الكتب بالعربية ووفق أي أسلوب لغوي وعلي اساس اي صرف ونحو؟ كما ان اول نماذج للغة الفارسية الجديدة ظهرت في القرن الرابع الهجري.

وماذا تقول عن اللغة البهلوية السائدة في عهد الساسانيين اي قبل الاسلام في ايران؟

ــ هل هناك اية عينات موجودة من هذه اللغة؟ كل ما هناك نقوش علي بعض الصخور والاسوار تظهر ان اللغة البهلوية لغة ناقصة للغاية. لا توجد في جميع هذه النقوش الصخرية 200 كلمة بهلوية يمكن ان نستخدم كلمتين منها للتعبير عن قضايا ثقافية وفنية ودينية جدية. فكل هذه الكلمات هي كلمات بسيطة يومية لا توجد فيها لا حكمة ولا ادب. فلذا علينا ان ندخل في اسلوبية تاريخية ولا نصنع التاريخ علي اساس ادعاءات تاريخية.

يبدو من كلامك ان هناك حاجة لأدوات موضوعية لمثل هذه الامور؟

ــ فيما لم يكن هناك خط (ابجدية) عربي لتحويله الي كتاب ولم يحدد وضع الصرف والنحو، فكيف كانوا يكتبون الكتب؟وقد ذكرت في كتابي الثالث وبأدلة غير قابلة للنقض ان الكتب العربية في العالم الاسلامي لم تظهر الا بعد ان تمت صياغة الصرف والنحو.

يبدو انك الفارسي الثاني ــ بعد الشاعر احمد شاملو ــ الذي نقدت الشاهنامة للشاعر الفردوسي (المتوفي في القرن 4 الهجري) حيث قلت انه انشد الشاهنامة باوامر من تيار سياسي هو تيار الشعوبية ولا يمكن اعتبار الشاهنامة كاساس لتاريخ ايران قبل الاسلام. وقد يري القوميون الفرس في هذا الكلام نوعا من الكفر القومي . ماذا تقول لنا في هذا المجال؟

ــ لا يهمني كفر القوميين او ايمانهم. انا كتبت هذه الكتب فاذا كان بامكانهم فليردوا علي. هناك ادلة جلية جدا تقول انه كانت توجد مجموعة لكتابة الشاهنامة انشغلت بهذا الامر لمدة 40 سنة. فقد بدأوا في عهد الساسانيين واستمر الامر حتي عهد سلطان محمود الغزنوي (من القرن 3 الي القرن الرابع الهجري) وقد انشد الشاعر دقيقي قسما من الشاهنامة. ونحن نعلم ان 6 اشخاص كانوا منشغلين بانشاد الشاهنامة في نفس الفترة وفي منطقة محددة من خراسان، فهؤلاء هم اصحاب الشاهنامة وليس الشاعر فردوسي الذي كان يتلقي راتبه من الشعوبيين لينشد شعرا يلبي اميالهم ونزعاتهم وقصصهم وامالهم واهدافهم. الفردوسي ليس الا منشدا للشاهنامة وان فكرتها تتعلق بمجموعة سياسية هي الشعوبية. وقد ذكرت كل هذه الوثائق نقلا عن الفردوسي نفسه، فهو يؤكد في مقدمة كافة قصصه انها لا تمثل رأيه وان فلانا وفلانا ذكر لي القصة لانشدها، شعرا حيث يأسف احيانا لبعض النصوص ويعرب عن تقززه لها ويتبرأ منها.

اذا كان الامر هكذا فلماذا قام بهذا العمل؟

ــ لأن الفردوسي كان يرتزق من انشاد الشعر، وعندما انتهي من انشاد الشاهنامة تزامن ذلك مع سحق الحركة الشعوبية وقمعها حيث لم يكن احد ليدفع له اجرة كتابة الشاهنامة ويعبر عن ندمه لما قام به من عمل ويوجه السب والشتم للذين كلفوه بانشاد الشاهنامة لانه اخذ يعاني من ضيق العيش، وهو يتحدث بصراحة عن النقود التي لم تدفع له ازاء كتابة الشاهنامة.

يبدو انك لم تسلم من هجمات القوميين الفرس بالرغم من انك فارسي وطهراني ايضا، اي لست تركيا و لا عربيا ليتهموك باشياء اخري؟ (وقد فرجني بوربيرار علي عدة فاكسات من القوميين المتعصبين تهدده بالقتل)؟

ــ لا تخيفني هذه الهجمات والتهديدات، فهؤلاء ليسوا في مستوي يمكن ان يؤثر هجومهم او موافقتهم علي شيء. فأيدي هؤلاء السادة فاضية وحين يطلب منهم ان يجلسوا في حوار جدي وثائقي يهربون جميعا. فالاشكالات التي يطرحونها كلها اشياء بسيطة مثل لماذا طبع فلان في دار نشر او اعلامه غلط وقس علي هذا. وكل هذه الامور هي حجج حيث عندما ما ندعوهم لحوار وطني لتحديد الغث عن الثمين لم يتجرأوا الدخول في هذا الامر، والان علي الرغم من انه لم يمض علي طبعه الا بضعة اشهر وقد وصل الي الطبعة الثالثة فانهم لم ينبسوا ببنت شفة.

فانا اردت ان اشير الي هذه النقطة. انت بجرأة وصراحة خاصة ــ قلما نشهدها بين المؤرخين الايرانيين والفرس ــ تحديت الخطاب التاريخي والفكري للقوميين المتطرفين الفرس! فكيف كان رد فعلهم؟ فانا اعلم انه علي الرغم من مؤامرة الصمت التي انتهجوها في الصحف والاعلام ازاء كتبك نري انها تحتل مكانها بين القومية التركية الاذرية والعربية وحتي بين الفرس ايضا؟ فماذا تقولون لنا في هذا المجال؟

ــ فكلام هؤلاء (القوميين) لا يساوي حتي حبة هيل جوفاء كما يقول القدماء الايرانيون. فالكتابان أخذا ينتشرا كالماء في البلاد ونصوصهما تجلب انتباه اي شخص يحب ايران وتاريخها، وأنا اسف من هيمنة مجموعة او محفل خاص علي الصحافة والمراكز الثقافية في ايران. فهذا المحفل يحتفظ بثأرات سابقة ضدي ويعلم اذا توسعت هذه الأمور الي حوار علي مستوي وطني علي عناصره ان يعودوا ليجلسوا في الصف الاول الابتدائي. اي ان معلوماتهم تتحول الي لا شيء. فمن الطبيعي الا يرغب هؤلاء ان يتحول الموضوع الي حوار وطني لأنهم يعرفون اكثر من غيرهم ان ايديهم فاضية لاثبات نظرياتهم.

فعليه ان كافة النظريات التاريخية التي تدرس حاليا في الجامعات والثانويات وتحتفظ في المكتبات تنهل من الاخرين (الغربيين) وانها ليست نظريات او معرفة وطنية، لاننا لم نكتب شيئا حول تاريخ بلادنا، فالنظريات التاريخية اما كتبها الروس او الالمان او الفرنسيون او البريطانيون وبعثوها لنا لنترجمها هنا بشكل خاطئ او صحيح، فقد حفظناها عن ظهر قلب واعتبرناها تاريخا لايران. فكتبي هي اول بحث وطني حول تاريخ ايران، فلا يحق لهؤلاء القوميين ان يتخذوا موقفا ضدها بل يحق للكتاب الاصليين للتاريخ الايراني ان يردوا عليها واعني الكتاب الغربيين من روس وبريطانيين وفرنسيين حيث عليهم ان يدافعوا عن نظرياتهم السابقة أمام نظرياتي الحديثة..



//إعداد يوسف عزيزي//

______________________________


ترجمة الفلم الوثائقي لفضح الحضارة الفارسية المزيّفة :
1_4: http://www.youtube.com/watch?v=quaSSTallFY&feature=related

2_4: http://www.youtube.com/watch?v=L0iwB_UlV3M&feature=related

3_4: http://www.youtube.com/watch?v=my2-xpmnJ8k&feature=related

4_4: http://www.youtube.com/watch?v=cmG8L3g8Sao&feature=related



موقع ناصر بوربیرار:

http://www.narya.blogsky.com/